الثلاثاء، 11 مايو 2021

القواعد الأصولية

من موقع الألوكة

القواعد الأصولية

[تعريفها - الفرق بينها وبين القواعد الفقهية]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفَّق فعلَّم، وأنعم فألهم وفهَّم، والصلاة والسلام على أفضل خلق الله وأعلم، وعلى آله وأصحابه أولي العلوم والحِكَمِ؛ أما بعد[1]:

فهذه نبذة في التعريف بالقواعد الأصولية، والفرق بينها وبين القواعد الفقهية، قسمتها إلى ثلاث مسائل:

الأولى:التعريف بالقواعد الأصولية باعتبارها مركبًا.

الثانية:التعريف بالقواعد الأصولية باعتبارها لقبًا.

الثالثة: الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.

وأسأل الله تعالى أن ينفعني بها ومَن قرأها، والحمد لله رب العالمين.

المسألة الأولى: التعريف بالقواعد الأصولية باعتبارها مركبًا:

القواعد الأصولية مركب وصفيٌّ يتكون من كلمتين؛ هما: القواعد، والأصول، وقد جرى العلماء على تعريف المركبات - وصفية كانت أو إضافية - بتعريفين: حسب المفردات، وباعتبار كونه لقبًا، كما يلي:

(1) تعريفها حسب المفردات:

القواعد جمع قاعدة، وتأتي في اللغة لعدة معانٍ؛ منها[2]:

1- الأساس.

2- قواعد السحاب؛ أي: أصولها المعترضة في آفاق السماء.

وأما اصطلاحًا، فقد عُرِّفت بعدة تعريفات منها:

1- قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها[3].

2- الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة، يُفهَم أحكامها منها[4].

3- حكم كلي ينطبق على جزئياته؛ ليتعرف أحكامها منه[5].

 

(الأصولية): قيد للقاعدة أخرج القواعد غير الأصولية كالقواعد النحوية، والفقهية.

وهو مصدر صناعي نسبة إلى الأصول، والمراد به على الإطلاق: علم أصول الفقه، وقد عُرِّف بعدة تعريفات؛ منها[6]:

1- القواعد التي يُتوصَّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

2- مجموع طرق الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.

3- معرفة دلائل الفقه إجمالًا، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد.

4- ما تُبنَى عليه مسائل الفقه، وتُعلَم أحكامها به.

 

وأما لفظة (الأصول) لغة[7]: جمع أصل؛ ومن معانيه:

1- أسفل الشيء، يقال: قعد في أصل الجبل، وقلع أصل الشجر، ثم كثر حتى قيل: أصل كل شيء: ما يستند وجود ذلك الشيء إليه.

 

2- وقيل هو: ما يُبنَى عليه غيره.

 

وأما (الأصل) في الاصطلاح فيطلق على عدة أمور[8]:

أحدها: الصورة المقيس عليها.

الثاني: الرجحان، كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة؛ أي: الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز.

الثالث: الدليل، كقولهم: أصل هذه المسألة من الكتاب والسنة؛ أي: دليلها، ومنه أصول الفقه؛ أي: أدلته.

الرابع: القاعدة المستمرة، كقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل.

الخامس: التعبد، كقولهم: إيجاب الطهارة بخروج الخارج على خلاف الأصل؛ أي: أنه لا يهتدي إليه القياس.

السادس: الغالب في الشرع، ولا يمكن ذلك إلا باستقراء موارد الشرع.

السابع: استمرار الحكم السابق، كقولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يوجد المزيل له.

 

المسألة الثانية: التعريف بالقواعد الأصولية باعتبارها لقبًا:

لم يتعرض المتقدمون من العلماء لتعريف القاعدة الأصولية تعريفًا دقيقًا إلا إنهم اكتفوا بتعريف علم الأصول.

 

وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين إيجاد تعريف محدد للقواعد الأصولية؛ ومن أشهر هذه التعريفات:

1- أنها حكم كلي تُبنَى عليه الفروع الفقهية، مصوغة صياغة عامة ومجردة ومحكمة[9].

 

2- أنها قواعد لغوية متعلقة بألفاظ الكتاب والسنة ودلالاتها، مستفادة من أساليب لغة العرب تساعد المجتهد على التوصل إلى الأحكام الشرعية[10].

 

3- أنها قضية كلية يُتوصَّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية[11].

 

ولعل التعريف الثالث هو المختار لدقته واختصاره، وهذا شرح وبيان لمحترزاته:

(القضية): هي الجملة التامة الخبرية، وهي قولٌ يصح أن يُقال لقائله: إنه صادق فيه أو كاذب فيه. وبعبارة أخرى: هي ما يحتمل الصدق والكذب لذاته[12].

 

(الكلية) هي: "الحكم على كل فرد بحيث لا يبقى فرد"[13].

 

وذلك بأن يُحكَم على كل واحد من أفراد موضوع القضية؛ بحيث لا يوجد شيء من تلك الأفراد إلا ويشمله ذلك الحكم، فمثلًا إذا قلت: "كل أمر مجرد عن القرائن للوجوب"، فقد أثبت هذا الحكم الذي هو الوجوب في جميع الأوامر؛ بحيث لا يوجد صيغة أمر مجردة عن القرائن، إلا وكان مقتضاها الوجوب.

 

(التي يتوصل بها): "التوصل": "هو قصد الوصول إلى المطلوب بواسطة"[14]، وأُشير به إلى أن هذه القواعد وسائل وطرق إلى غيرها، وليست مقصودة بالذات لنفسها، بل غايتها حصول غيرها.

 

(إلى استنباط): مصدر استنبط؛ بمعنى: أظهر الشيء بعد خفاء، فكل ما أُظهِر بعد خفاء فقد أُنبِط، واستُنبط[15].

 

الاستنباط في الاصطلاح: "استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة"[16].

 

(الأحكام الشرعية): المراد بها الأحكام التي تتوقف معرفتها على الشرع[17]، كالأحكام الخمس وما في معناها، وهو قيد احتُرز به عن الأحكام الاصطلاحية والعقلية، كقواعد علم الحساب والهندسة.

 

المسألة الثالثة: الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية[18]:

علم الفقه وعلم أصول الفقه علمان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحيث يكاد المرء يجزم بالوحدة بينهما، كيف لا يكون ذلك، وأحدهما أصل والآخر فرع لذلك الأصل، كأصل الشجرة وفرعها؟ فالأصولي ينبغي أن يكون فقيهًا، والفقيه ينبغي أن يكون أصوليًّا، وإلا كيف يمكنه استنباط الحكم من الدليل؟ وكيف يكون مجتهدًا من لم يتبحر في علم الأصول؟

 

ومع ذلك يمكن أن يُقال: إنهما علمان متمايزان؛ فأحدهما مستقل عن الآخر من حيث موضوعه، واستمداده، وثمرته، والغاية من دراسته.

 

ومن ثَمَّ فإن قواعد كل علم منهما تتميز عن قواعد الآخر تبعًا لتمايز موضوعَي العلمين: فموضوع علم أصول الفقه هو أدلة الفقه الإجمالية والأحكام وما يعرض لكل منها، وأما موضوع علم الفقه فهو أفعال المكلفين وما يستحقه كل فعل من حكم شرعي عملي.

 

ومن ثَمَّ فإن قواعد علم أصول الفقه تفترق وتتميز عن قواعد علم الفقه.

 

ولعل أول مَن فرَّق بين قواعد هذين العلمين وميَّز بينهما صاحب كتاب الفروق[19]؛ حيث ذكر ما يفيد بأن القواعد الأصولية قواعد ناشئة عن الألفاظ العربية، وما يعرض لها من نسخ أو ترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، بخلاف القواعد الفقهية، فهي تشتمل على أسرار الشرع وحِكَمِهِ، بخلاف القواعد الأصولية، ثم فصَّل بعد ذلك كثير من المعاصرين في الفروق بينهما، ومن ذلك ما يلي:

1- القواعد الأصولية عبارة عن المسائل التي تشملها أنواع من الأدلة التفصيلية يمكن استنباط التشريع منها.

 

أما القواعد الفقهية: فهي عبارة عن المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه، ليصل المجتهد إليها بِناءً على تلك القضايا المبينة في أصول الفقه.

 

2- القواعد الأصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها، أما القواعد الفقهية فإنها أغلبية، يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات.

 

3- القواعد الأصولية وسيلة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية، أما القواعد الفقهية فهي مجموعة من الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها، والغرض من ذلك هو: تسهيل المسائل الفقهية وتقريبها.

 

4- القواعد الأصولية ضابط وميزان لاستنباط الأحكام الفقهية، ويبين الاستنباط الصحيح من غيره، فهو بالنسبة لعلم الفقه كعلم النحو يضبط النطق والكتابة بخلاف القواعد الفقهية فهي ضابطة للفروع الفقهية.

 

5- القواعد الأصولية قد وُجدت قبل الفروع، أما القواعد الفقهية فإنها قد وجدت بعد وجود الفروع.

 

6- قواعد الأصول تتعلق بالألفاظ ودلالاتها على الأحكام في غالب أحوالها، وأما قواعد الفقه فتتعلق بالأحكام ذاتها.

 

7- قواعد الأصول محصورة في أبواب الأصول ومواضعه ومسائله، وأما قواعد الفقه فهي ليست محصورة أو محدودة العدد، بل هي كثيرة جدًّا منثورة في كتب الفقه العام والفتوى عند جميع المذاهب، ولم تجمع في إطار واحد.

 

وفي الختام أسأل الله تعالى لي وللقارئ الكريم العلم النافع والعمل الصالح.



[1] هذه المقدمة مقتبسة من مقدمة الإمام القاضي علاء الدين المرادوي رحمه الله (ت: 885هـ) في كتابه: (تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول).

[2] انظر: تهذيب اللغة للأزهري [باب: العين والقاف مع الدال] (4/ 137)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس [باب: قعد] (5/ 108).

[3] انظر: التعريفات للجرجاني، باب: القاف، ص: 171.

[4] انظر: الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 11).

[5] انظر: شرح التلويح (1/ 35).

[6] انظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار (1/ 44).

[7] انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (قعد).

[8] انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (1/ 126)، والبحر المحيط للزركشي بتصرف (1/ 27، 28).

[9] انظر: القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي، د/ الجيلاني المريني، ص: 55.

[10] انظر: تيسير أصول الفقه للجديع، ص: 229.

[11] انظر: القواعد الأصولية وتطبيقاتها عند شيخ الإسلام، د/ أيمن حمزة عبدالحميد، ص: 32.

[12] انظر: التعريفات، ص: 225، بتصرف يسير.

[13] انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي، ص: 61.

[14] انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي، (1/ 121).

[15] انظر: القاموس المحيط، ص: 689.

[16] انظر: التعريفات، ص: 44.

[17] انظر: البحر المحيط للزركشي، (1/ 21).

[18] انظر: المهذب في علم أصول الفقه للنملة، (1/ 35)، وموسوعة القواعد الفقهية للبرونو، (1/ 27).

[19] وهو الإمام شهاب الدين القرافي، انظر: [الفروق (1/ 2)]. 

مقالات متعلقة 

 

===========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

➌عقوبة من قتل نفسه؟ مشمولا

  ➌عقوبة من قتل نفسه؟ إن الانتصار لله حق وفرض كتب علينا كما وجب علينا خل...